إن المنطق الأرسطي الحاضر في الأوساط العلمية الدينية فيه ما هو صحيح وما هو فاسد، ومع ذلك فقد عرَّفه المتكلمون بأنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر، وهي دعوى جليلة، إلا أن تلك الآلة التي ادعوا أنها عاصمة للذهن عند مراعاتها: لما استخدمها الأشاعرة خرجوا بنتيجة مفادها أن الله تعالى لا داخل العالم ولا خارجه! فإن قلت: هذا ارتفاع للنقيضين! قالوا: بل هو تقابل عدم وملكة! وكأن هذا التقابل الذي ادعوه أمر ثابت بالعقل الصريح لا جدال فيه! بيد أن المناطقة والفلاسفة أنفسهم تجدهم ينازعون في هذا النوع من التقابل المزعوم، بل إن حتى فحول علماء الأشعرية وفلاسفتهم نازعوا فيه!
وفي هذا الكتاب نعرض بأسلوب سلس سهل مفهوم العدم والملكة عند المتكلمين وما تسبب في عقائد فاسدة عندهم هم وغيرهم، ونشرح بالتفصيل كل الأوجه العقلية والنقلية التي أوردها شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على هذه الشبهة، ثم نشير في ثنايا ذلك إلى كلام الفلاسفة والمناطقة باختلاف عقائدهم في هذا النوع من التقابل، كما نشير إلى أوجه نقدهم للمنطق الأرسطي بصورة عامة.