بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
مسألة المعرفة القبلية والبعدية من المسائل التي أُثيرَت في السنوات الأخيرة خاصةً عندما نُشِرَت رسالة الماجستير للأستاذ يوسف سمرين وهي “موقف ابن تيمية من المعرفة القبلية” وهي رسالة ماجستير في جامعة القدس ، وحصلت هذه الرسالة على جائزة أفضل رسالة ماجستير في سنة إصدار هذه الرسالة على مستوى أظن العلوم الإنسانية وليس فقط قسم الفلسفة.
ناقشَ فيها الأستاذ يوسف مسألة المعرفة القبلية والمعرفة البعدية ومصطلح المعرفة القبلية والمعرفة البعدية.
هذه مصطلحات مُستحدَثة في الفلسفة الحديثة وإلا فنفس هذه المصطلحات لم تكن حاضرة في وقت ابن تيمية وفي عصره وقبله ، ولكن هذا لا يعني أن ابن تيمية لم يتحدث عن هذه المباحث وإنما تحدث عنها بالمعنى وليس بهذه الألفاظ.
طبعاً أشهر من نظّر لمسألة المعرفة القبلية هو “إيمانويل كانط” ، وإيمانويل كانط تأثر به كثير من العلمانيين العرب وكذلك تأثر به كثير من الإسلاميين.
وممن تأثر به من الإسلاميين من إيمانويل كانط مسألة المعرفة القبلية ونسبة هذه المعرفة القبلية إلى ابن تيمية.
أيضاً تكلم في هذه المسألة الأستاذ يوسف سمرين في كتابه “نظرية ابن تيمية في المعرفة والوجود”.
أيضاً من ضمن الذين تكلموا في هذه المسألة الأستاذ أحمد الكرساوي في كتابه “مدخل إلى نظرية المعرفة”.
وكذلك تكلمتُ في هذه المسألة بإيجاز وأجبتُ عن بعض الاستشكالات في كتابي “نظرية الزمان والمكان عند ابن تيمية” في الفصل الأول عندما تكلمت في مبحث الأوّليات العقلية والضروريات العقلية.
طيب .. ما هي المعرفة القبلية؟
المعرفة القبلية: هي المعرفة المُجرّدة عن الحس والتجربة ، يعني هي معرفة قبل التجربة وليست من التجربة.
يرى إيمانويل كانط أن هذه المعارف توجد في العقل مع التجربة وليست من التجربة ، يعني هي تقترن بالتجربة فالحسّ والتجربة مجرد شرط في ظهور هذه المعارف الموجودة مسبقاً في العقل بصورةٍ ما ، إذاً هي معرفة تقترن مع التجربة ولكن مصدر هذه المعرفة ليس نفس التجربة والحسّ.
تأثّر بعض الإسلاميين بهذه الأطروحة فقالوا أن المعارف الضرورية الأولية موجودة في العقل قبل التجربة وقبل الولادة بصورة قوالب وهي موجودة بالقوة لا بالفعل ، ثمّ مع التجربة تظهر هذه المعارف يعني كانت هنا التجربة والحس شرطاً في ظهور هذه المعارف ومع التجربة تظهر إلى الفعل بعد أن كانت موجودة بالقوة.
أيضاً يقولون أن هذه المعارف تظهر إلى الفعل بعد أن كانت بالقوة ولكن هذه القبلية والبعدية ليست قبلية وبعدية زمانيّاً.
إذاً الضروريات العقلية عند القائلين بالمعرفة القبلية توجد في العقل على هيئة قوالب ، لكن هذه القوالب موجودة بالقوة لا بالفعل ثمّ مع الحسّ ومع التجربة بعد الولادة تظهر هذه المعارف من القوّة إلى الفعل ، ولكن ظهور هذه المعارف بالفعل بعد أن لم تكن بالفعل (يعني كانت بالقوّة) هذا الظهور وهذه البعدية ليست بعدية زمانيّة وإنما من أنواع البَعديّات الأخرى التي قالت بها الفلسفة المَشّائِيّة وقال بها المتأثرون بالفلسفة المشّائِيّة مثل فخر الدين الرازي.
طبعاً يوجد أسباب مختلفة دفعت القائلين بالقبلية والمثاليين إلى القول بالمعرفة القبلية والمعرفة المُجرّدة عن الحس.
من أظهر هذه الأسباب هي أن المعرفة لو كانت دائماً نابعة من الحس والتجربة إذاً ستكون كل هذه المعارف غير مُجاوِزة للتجارب الحسّيّة ولكن وجود الله سبحانه وتعالى ووجود عالم الغيب عند هؤلاء الفلاسفة وجود غير قابل للحسّ ، ليس وجوداً حسّيّاً وبالتالي حتى نستطيع الكلام ومعرفة هذه الموجودات فلا بدّ من وجود معارف مُجرّدة عن الحس ومُجرّدة عن التجربة تماماً.
وطبعاً يوجد أسباب أخرى ناقشها الأستاذ يوسف وناقشتُ بعضها في كتابي “نظرية الزمان والمكان عند ابن تيمية”.
طيب .. من أدلة هؤلاء القائلين بالمعرفة القبلية المتأثرين بإيمانويل كانط أنهم قالوا: “الإنسان يولد على الفطرة” ونحن لا نخالف في ذلك لكن من قال أن الفطرة تعني أنه يوجد قوالب في العقل موجود فيها بالقوة معلومات وضروريات عقلية بعد ذلك تظهر إلى الفعل مع التجربة الحسية؟ هل الفطرة يُفهم منها أنه يوجد قوالب في العقل موجودة بالقوة؟ طبعاً لا ، إذاُ هذا دخول في كيفية الفطرة وفي حقيقة الفطرة بلا دليل حقيقي.
طبعاً يستدلون بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يُهوّدانه أو يُنصّرانه أو يُمجّسانه ، كمَثَل البهيمة تُنتَجُ البهيمة هل ترى فيها جدعاء؟) ولكن هل هذا الحديث النبوي الشريف فيه ما يلزم حتى أن تكون الفطرة تعني معلومات موجودة بالقوة في العقل على هيئة قوالب؟ لا يوجد مثل هذا المعنى في الحديث الشريف ، لكن عندما نأتي للدليل النقلي نجد أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، لاحظ هنا الله سبحانه وتعالى قال “شيئاً” نكرة في سياق النفي وقال بعد ذلك “وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون” ، إذاً خلقنا الله سبحانه وتعالى لا نعلم شيئاً ثم جعل لنا السمع والأبصار والأفئدة لنشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النِّعَم التي بها أدرَكنا المعارف وأدركنا الموجودات الخارجية وبدأت تتكون عند الإنسان معارف عن الواقع والعالم.
إذاً الفطرة لا تعني في أيِّ دليلٍ عقلي أو نقلي أنه يوجد قوالب موجودة في عقل الإنسان وهذه القوالب موجودة بالقوّة.
طيب .. ما هي الفطرة؟
الفطرة: هي الخِلقَة المُستلزِمة للحق والمستلزمة للإسلام بِمُجرّد انتفاء الموانع ، لا يتوقّف تحقّق موجَبات الفطرة على توفّر شروط مُعيّنة وإنما بمُجرّد انتفاء الموانع كأن يكون للطفل أبوان يُهوّدانه أو يُنصّرانه أو يُمجّسانه ، بمجرّد انتفاء هذه الموانع تتحقَّق موجَبات هذه الفطرة ولوازم هذه الفطرة وهي الإسلام ومعرفة الله وعبادته.
فالفطرة في اللغة العربية هيَ: الخِلقَة.
والفطرة تقتضي معرفة الله سبحانه وتعالى ومحبته ، فبمجرد انتفاء هذه الموانع تتحقق موجَبات هذه الفطرة ولكن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في “درء تعارض العقل والنقل” المجلد الثامن أن ليس فطرة كل أحد تستقلّ بتحقّق هذه الأمور المُعيّنة مثل معرفة الله سبحانه وتعالى وعبادته ولكن يحتاج كثير من الناس إلى أسباب مُعِينة لهذه الفطرة مثل التعليم والتخصيص ولذلك أرسل الله سبحانه وتعالى الرُّسُل والأنبياء للإعانة على تحقيق لوازم هذه الفطرة.
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضع أنَّ الفطرة لا تعني أنَّ الإنسان يولد مُقِرّاً بالله سبحانه وتعالى ويعرف الله سبحانه وتعالى ويعبد الله سبحانه وتعالى وإنما خِلقَة هذا الإنسان تقتضي جلب المنافع ودفع المَضارّ ومن بين هذه المنافع العلم بالله سبحانه وتعالى وأنَّ له خالق وله رب يستحق العبادة ، قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 460/8: (إذا ثبت أن نفس الفطرة مُقتَضِية لمعرفته ومحبّته حصل المقصود بذلك وإن لم تكن فطرة كل أحد مُستقلةً بتحصيل ذلك ، بل يحتاج كثيرٌ منهم في حصول ذلك إلى سببٍ مُعِينٍ للفطرة كالتعليم والتخصيص.
فإنَّ الله بعثَ الرسل وأنزل الكتب ودَعَوا الناس إلى موجب الفطرة من معرفة الله وتوحيده ، فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة وإلا استجابت لله ورُسُله لِما فيها من المُقتَضي لذلك.
ومعلومٌ أنّ قولَه “كل مولود يولد على الفطرة” ليس المراد به أنه حين ولدته أمه يكون عارفاً عارِفاً بالله مُوَحِّداً له).
فليس كل من ولدته أمه يكون عارفاً بكلّ هذه المعارف ، لماذا؟ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية استدل بالآية الكريمة التي ذكرناها {واللهُ أخرجكم من بطون أمهاتكم..} فقال في درء تعارض العقل والنقل 461/8: (ونحن نعلم بالاضطرار أن الطفل ليس عنده معرفة بهذا الأمر ولكنّ ولادته على الفطرة تقتضي أنّ الفطر تقتضي ذلك وتستوجبه بحسبها.
فكلما حصل فيه قوة العلم والإرادة حصل من معرفتها بربّها ومحبّتها له ما يناسب ذلك كما أنه وُلِد على أنه يُحب جلب المنافع ودفع المضار بحسبه ، وحينئذٍ فحصول موجب الفطرة سواء توقف على سبب وذلك السبب موجود من خارج أو لم يتوقّف ، على التقديرين يحصل المقصود.
ولكن قد يتّفق لبعضها فَوَات الشرط أو وجود المانع فلا يحصل مقصود الفطرة).
فالفطرة تقتضي العلم بالله سبحانه وتعالى وتقتضي عبادة الله سبحانه وتعالى بمجرد انتفاء الموانع.
من أهم من خالف في مسألة الفطرة هو الإمام ابن عبد البَرّ في “التمهيد” ونقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية أن الفطرة كالصفحة البيضاء التي تقبل الكفر والإسلام على حدٍّ سواء ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية وكذلك تلميذه ابن القيّم يرى أنّ هذا ليس بصحيح ، بل الفطرة هي الخلقة المُستلزِمة والمستوجبة للإسلام لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عندما يقول عن الشيء أنه معرفة فطرية مركوزة في النفوس لا يعني بذلك أنها مركوزة في النفوس قبل أن يُولَد الإنسان وإنما هي مركوزة في النفوس وهي معرفة فطرية باعتبار أن الفطرة والخِلقة تستلزم هذه المعرفة بمجرّد انتفاء الموانع وهي مركوزة في النفوس بمعنى أن الفطرة استلزمتها والفطرة لا تستطيع دفع هذه المعارف إلا بصعوبة لأنها تستلزم هذه المعارف.
لذلك نحن نقول مثلاً عن الملاحدة أنهم غيّروا في الفطرة أو حاولوا تغيير الفطرة وهم يُعانِدون ويجحدون ما يجدونه من أنفسهم من أن معرفة الله سبحانه وتعالى معرفة ضرورية فطرية لأن فطرتهم وخلقتهم تستلزم ذلك ولكن هم يجحدون ما استقر في نفوسهم بعد ولادتهم.
المشكلة عند القائلين بالمعرفة القبلية أنهم قالوا المعرفة الفطرية في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية هي المعرفة القبلية ، وهذا غير صحيح فالفطرة لا تساوي المعرفة القبلية ، والمعرفة القبلية لا تساوي المعرفة الفطرية هذا التلازم غير صحيح أصلاً فنحن نقول مثلاً أن الأوليات العقلية الضرورية وأن معرفة الله سبحانه وتعالى هذه أمور ومعارف فطرية ولكن هذا لا يعني أن هذه المعارف موجودة في الإنسان قبل الولادة ، وإلا فما الدليل على أن هذه المعارف موجودة بالقوة في العقل وعلى شكل قوالب قبل الولادة ، كل هذه مُنطلقات فلسفية كلامية محضة لا دليل عليها من النقل وإنما النقل أقرَّ بأن الله سبحانه وتعالى أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً.
وحديث الفطرة لا يعني أبداً أنّ هذه المعارف موجودة بالقوة في العقل فمن أين أتيتم بهذا التصور المثالي عن المعرفة وعقل الإنسان؟ أتيتم بهذه التصورات من الفلسفة المثالية وفلسفة أرسطو من مسألة الوجود بالقوة والوجود بالفعل والتقدم والتأخر غير الزماني إلى غير ذلك..
إذاً خلاصة المسألة أن القائلين بالقبلية عندهم بعض الإشكاليات:
الإشكال الأول: أن ذلك القول إنما هو تأثر بأقوال إيمانويل كانط وأقوال أرسطو وغيرهم..
الأمر الثاني: أنهم تأثروا بمقولة الوجود بالقوة والوجود بالفعل على مفاهيم الفلسفة المَشّائِيّة ، ولكن الوجود بالقوة والوجود بالفعل عند التحقيق عند ابن تيمية ليس على نفس المفهوم الأرسطي المثالي وإنما الوجود بالقوّة لا يعني أن الشيء موجود بالفعل أو له نوع وجود في الخارج اسمه الوجود بالقوّة وإنما موجود بالقوة بمعنى أنه يوجد شيء في الخارج فيه قوة لظهور هذا الشيء ، لكن هذا الشيء في نفسه غير موجود ، مثال هذا نقول “الجنين موجود بالقوّة في النطفة” لا يعني ذلك أن الجنين موجود أصلاً وله وجود في الواقع اسمه الوجود بالقوة وإنما معنى أن نقول أن الجنين موجود بالقوة في النطفة معناه أن النطفة فيها قوة أن تتحول وأن تستحيل إلى جنين ولكن هل الجنين موجود؟ لا هو غير موجود في الواقع وإنما هو مجرد إمكان ذهني أو كذلك إمكان خارجي ولكن هذا الإمكان لا يستلزم أن يكون الجنين بالفعل موجوداً بصورة ما في الواقع.
إذاً..المسألة الثانية أن القائلين بالمعرفة القبلية نسبوا إلى ابن تيمية مفهوم الوجود بالقوة ومفهوم الوجود بالفعل على المذهب الأرسطي وعلى المذهب المشّائي.
الأمر الثالث: أنهم نسبوا إلى ابن تيمية أنهم قالوا أن هذا التقدّم والتأخّر في مسألة ظهور المعارف مع التجربة لا من التجربة أن هذا التقدم والتأخر لا زماني لأنه يوجد تقدّم بالذات وتقدم بالشرف وتقدم بالرتبة إلى غير ذلك مما ذكره الفخر الرازي في غير موضع ، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كثيرٍ من المواضع نقض أصلاً هذا المفهوم الخرافي ، وإنما قال أن التقدم والتأخر لا يُعقل إلا بالزمان لذلك عندما تقولون أن المعرفة القبلية تظهر بالفعل وأن هذا التقدم والتأخر ليس تأخراً وتقدّماً زمانياً وإنما مثلاً تأخر ذاتي أو غير ذلك لا يمكن نسبة هذا القول إلى ابن تيمية لأنه أصلاً لا يعترف بالتقدم والتأخر غير الزماني.
الأمر الرابع: أن المعرفة القبلية لها لوازم فاسدة فمن ضمن هذه اللوازم أن كثيراً من المتكلمين والفلاسفة يقولون بأن هذه معرفة أولية ضرورية ، فإن كانت هذه المعرفة الأولية الضرورية موجودة في العقل قبل الولادة لا علاقة لها بالحس ولا بالتجربة ولا يمكن الاستدلال عليها بالحس والتجربة إذاً لقائلٍ أن يقول 1=1+1+1 هذه معرفة قبلية خلق اللهُ هذا الشخص عليها فلا يمكن أن يُقال للنصارى أن هذا القول غير صحيح لماذا؟ لأن له أن يدعي أن يقول هذا بديهي ولا يمكن الاستدلال عليه بالحس والتجربة لأن المعرفة القبلية هذه لا يمكن أصلاً أن يُستدل على هذه المعرفة من الحس والتجربة لأنها لم تأتِ أصلاً من الحس والتجربة فلقائلٍ أن يدّعي أي ادّعاء ويدّعي أنّ هذا الادعاء أمرٌ بديهيٌّ مركوزٌ في فطرته.
ومن أبرز الأمور التي يستشكلها القائلون بالمعرفة القبلية على القائلين بالمعرفة البعدية هي أن هذه المعرفة البعدية إن كانت استقراءً ناقصاً فهي لا تفيد اليقين.
هذا يُعتبر العُمدة للقائلين بالقبلية على القائلين بالبعدية وأظن جاوبتُ على هذا الاستشكال في أكثر من مقطع لأنه بناءً على نقد ابن تيمية للمنطق الأرسطي فهذا النوع -يعني معرفة الأوليات الأوليات والضروريات العقلية- إنما هو قياس تمثيل ، وقياس التمثيل يفيد عند ابن تيمية اليقين وكذلك الاستقراء الناقص لكونه يرجع إلى قياس التمثيل يفيد اليقين إن كان مُعلّلاً بعلّة صحيحة. فهذا الاستشكال لا يصح على مباني شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولكن الإشكال في ماذا؟ الإشكال في أن كثيراً من القائلين بالمعرفة القبلية يقول بالتقدم والتأخر اللازماني ويقول بالوجود بالقوة والوجود بالفعل على مفاهيم أرسطو وعلى مفاهيم الفلسفة المشائية والمتكلمين الأشاعرة ثم يقول أن الاستقراء الناقص لا يفيد اليقين ثم ينسب هذه النظرية إلى ابن تيمية.
فطبعاً هذه النظرية -يعني نظرية المعرفة البعدية- أيضاً مُوافِقة للمعرفة عند المادية الجدلية ، لأنه في المادية الجدلية تُقسّم المعارف إلى معرفة حسية ومعرفة منطقية والمعرفة المنطقية هي إدراك الكُلّيّات بعد إدراك المُعيّنات الجُزئية الحسية ونرى أن هذا موجود في كتاب “المبادئ الأساسية للفلسفة” والذي فيه شرح مهم لكثير من مباحث مذهب المادية الجدلية.
هذه خلاصة المسألة بصورة موجزة جداً وأرجو أن تكون مفهومة بإذن الله ، والمقصود أن الصحيح أن الفطرة هي الخِلقة المستلزمة للمعارف الضرورية الأولية والمستلزمة والمستلزمة للإسلام والمستلزمة لمعرفة الله سبحانه وتعالى وعبادة الله سبحانه وتعالى بمجرّد انتفاء الموانع ، لماذا؟ لأن هذه الخِلقة خُلِقَت على حب جلب المنافع ودفع المضار ، ومعرفة الله سبحانه وتعالى تجلب أكبر المنافع وتدفع أعظم المضارّ.
وشيخ الإسلام ابن تيمية تكلّم في هذا المبحث بالتفصيل في كتاب درء تعارض العقل والنقل في المجلّد الثامن.
هذا وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تم التفريغ من قبل الأخ: عبد الرحمن عجان.
تحميل تفريغ المقطع: من هنا.