في هذا المقطع أشرح مسألة المجاز عند ابن تيمية والاعتراضات التي أثارها ابن تيمية على مسألة المجاز وعلاقتها بأصل اللغات البشرية.
تفريغ المقطع:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
المقدمة
هل أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية المجاز في النصوص الشرعية أو في اللغة العربية بشكل عام؟
يختلف طلبة العلم في تحقيق وتحرير موقف معيّن ونسبة موقف معين إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ، فالبعض ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية نفي وإنكار المجاز مطلقاً في النصوص الشرعية وفي اللغة العربية ، والبعض يقول بأنه لا ينفي المجاز ، والبعض الآخر يقول بأنه تناقض في هذه المسألة وخاصّةً الأشعرية المُعاصرة يتهمونه بأنه قد تناقض في هذه المسألة.
والصحيح أنه يوجد تفصيل في المسألة عند ابن تيمية.
أهمية مبحث المجاز
مبحث المجاز مهم جداً بالنسبة للعقيدة لأنه بناءً عليها سيُحدّد هل معاني الكلمات ومعاني الأسماء الواردة في النصوص الشرعية هل تتغير من نص إلى آخر أم كل هذه النصوص على ظاهرها المتبادر إلى الذهن العربي؟
بمعنى..لما يقول الله سبحانه {بل يداهُ مبسوطتان} ويُقال للإنسان يدان ، هل “يدان” الواردة في النص الشرعي معناها يختلف كُلّيّةً عن المعنى الوارد في الجملة الثانية التي تثبت اليد للإنسان؟
بناءً على الموقف من المجاز يُحدد إذا كان معنى كلمة “يدان” في الجملة الأولى هي نفس المعنى المفهوم من كلمة “يدان” في الجملة الثانية أم بينهما قدرٌ مُشترك أم هو مُجرّد اشتراك لفظي محض ولا يشتركان في أي معنى.
التعريف المشهور للمجاز
هو صرف اللفظ عمّا وُضِعَ له ابتداءً أو أوّلاً بقرينة.
فشيخ الإسلام ابن تيمية يثير على هذا التعريف استشكالاً مُعيّناً أن هذا التعريف يفترض أولاً أنّ اللغة وهذه الكلمات هي أوّلاً مُواضَعة واتفاق بين العرب.
ومسألة أصل اللغة هو بحث ظني لا يوجد فيه شيء يقيني ، والمذاهب في أصل اللغة تختلف:
-فالبعض يقول أنّ اللغات هي من لغة واحدة ثم تفرعت تلك اللغات.
-ومنهم من يقول أنّ اللغة هي من الأسماء التي علمها الله لسيدنا آدم ثم لما تفرق أبناء سيدنا آدم وسيدنا نوح غلبت عليهم بعض اللغات على أخرى.
-ومنهم من يقول أنّ اللغة أكثرها مُواضَعة واتّفاق بين النوع المُعيّن فمثلاً الرّوس تواضعوا واتّفقوا على تسمية الشيء المُعيّن بكلمة مُعيّنة وبلفظة مُعيّن والعرب اتّفقوا على التعبير عن شيء مُعيّن بلفظة مُعيّنة.
فتعريف المجاز هذا يفترض موقفاً مُعيّناً من أصل اللغة لا يمكن أصلاً إثبات هذا الأصل وهو افتراض أنّ اللغة أصلاً مَواضَعة لذلك مبحث المجاز مُتعلّق بأصل اللغة.
موقف ابن تيمية من أصل اللغة
وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية من أصل اللغة أن أكثرها ليس مواضعة وكذلك هي ليست من الأسماء التي علّمها الله سبحانه وتعالى لسيّدنا آدم وليست كل هذه اللغات تتفرع من لغة واحدة رئيسية وإنما اللغة البشرية هي إلهام من الله سبحانه وتعالى للنوع البشري ، فموقف شيخ الإسلام ابن تيمية هو أن اللغات هي إلهام من الله سبحانه وتعالى للنوع البشري وليس لفرد مُعيّن.
يعني مثلاً اللغة العربية هي إلهام من الله سبحانه وتعالى لنوع العرب بحيث أن الله سبحانه وتعالى ألهم العرب كَكُلّ عندما يريدون التعبير عن معنى مُعيّن أن يتلفّظوا بلفظة مُعيّنة وليس إلهاماً مُعيّناً لشخص هو أوّل العرب أو شخص مُعيّن هو أول الروس أو غير ذلك وإنما هو إلهام لنوع العرب وكذلك إلهام لنوع الروس وكذلك إلهام لنوع الإنكليز وغير ذلك..
سبب ثراء وقوة اللغة العربية
وهذا الموقف يفسر القوة والثراء في اللغة العربية غير في اللغات السابقة على اللغة العربية ، لأن اللغات السابقة على اللغة العربية المفترض أن تكون هي كالأصل بالنسبة للغة العربية ، ومع ذلك اللغة العربية أقوى من هذه اللغات ، لماذا؟ لأن اللغة العربية إلهام من الله سبحانه وتعالى لنوع العرب وبالتالي الله سبحانه وتعالى هيّأ تلك اللغة حتى تستطيع تحمّل معاني القرآن الكريم والنصوص الشرعية بشكل عام ، لذلك تجد مفردات كثيرة جداً في اللغة العربية في التعبير عن معنى معيّن بدرجات مُختلفة ، مثل معاني الصداقة والمحبة وغير ذلك..
أسماء مُختلفة تعبّر عن معنى واحد مشترك ولكن بدرجات مختلفة وهذا الثراء غير موجود في اللغات الأخرى ، هذا الموقف يفسر قوة اللغة العربية وثراء اللغة العربية.
شرح مفهوم المجاز عند ابن تيمية
بناءً على ذلك ما مفهوم المجاز عند ابن تيمية؟
مفهوم المجاز عند ابن تيمية مبني على وحدة المعنى وتعدّد المصاديق.
وحدة المعنى بصورة واضحة ، هو مثلاً: اسم الأسد ، اسم الأسد هذا يدلّ على معنى ، هذا المعنى لا يتغيّر من جملة إلى أخرى وإنما المصداق الذي يدل عليه هذه الكلمة في جمل مختلفة وفي سياقات مختلفة قد يتغير.
طيب..ما الفرق بين المفهوم والمصداق هنا؟
المفهوم هنا هو المعنى من لفظة “الأسد” ومعنى اسم “الأسد” ، أما المصداق فهو الشيء الموجود في الواقع والموجود في الخارج الذي يصدق عليه هذا المفهوم.
فعادةً كلمة “الأسد” هي لفظة تدل على معنى ، هذا المعنى يصدق في الخارج عادةً على الحيوان الموجود في الغابة ، فلما أقول: “رأيت أسداً في الغابة” كلمة “الأسد” تدل على معنى مُعيّن ، هذا المعنى يصدق على حيوان الأسد الموجود في الغابة وهذا هو الظاهر من الجملة ، ولكن لما أقول: “رأيتُ أسداً على المنبر” كلمة “الأسد” هنا معناها كذلك لا يتغير عن المعنى الذي ورد في الجملة الأولى وإنما اختلف المِصداق ، هذا المعنى هو مثلاً السيادة والقوة والشجاعة والشدة إلى غير ذلك..
فمفهوم كلمة الأسد في الجملة الأولى (التي هي “رأيتُ أسداً في الغابة”) يصدُق على الحيوان ، أما المفهوم من الجملة الثانية (وهي “رأيتُ أسداً على المنبر”) هو نفس المعنى ولكن يصدق هنا على رجل ، فالظاهر من هذه الجملة لا يعني أنه يوجد أسد فعلاً موجود على المنبر ويخطب في الناس ، وإنما ظاهر هذه الجملة هو أنه يوجد رجل يخطب على المنبر ولكن يتصف بالصفات والمعاني التي تصدق عادةً على الحيوان في الغابة.
وبهذا يوجد بين الجملتين اختلاف في المصاديق لكلمة الأسد ولا اختلاف في معنى كلمة الأسد ، فمعنى كلمة الأسد في “رأيت أسداً في الغابة” يشترك في المعنى لكلمة أسد في جملة “رأيتُ أسداً على المنبر” فإنما اختلف المصداق وبالتالي يمكن أن يُقال في جملة “رأيت أسداً على المنبر” هذا مجاز أو يمكن يقال هذا ظاهر سياقي أو يمكن أن يقال هذا ظاهر تركيبي أو كناية أو أيّاً ما كان ، هذا مجرد اصطلاح يدل على اختلاف مصداق الكلمة وليس مفهوم الكلمة ومعنى الكلمة فبهذا المعنى -أن المجاز هو مجرد اصطلاح للتعبير عن اختلاف المصداق- فهذا المعنى لا يخالف فيه ابن تيمية ، أما المعنى الذي يقول بأن لفظة الأسد وكلمة الأسد في هذه الجملة تختلف كلياً عن المعنى في هذه الجملة هذا لا يُسلّم به ابن تيمية.
وبالتالي لما يقول الله سبحانه وتعالى {بل يداه مبسوطتان} ويُقال في جملة أخرى أن للإنسان يدان فالمفهوم من “يدان” هنا ومن “يدان” هنا بينهما قدر مشترك معنوي لم يتغير وإنما تغير تمام المعنى وتغير المصداق ، لأن المشترك الذي نتكلم عنه ليس تمام المعنى ليس المعنى بأكمله ، لماذا؟ لأن مفهوم الأسد الذي يُطلق على الرجل الذي يخطب ومفهوم الأسد الذي يُطلق على الحيوان في الغابة هذا المعنى وإن كان فيه أصلٌ مشترك ولكن تختلف الدرجات ولذلك الكلام في أصل المعنى الذي لا يتغيّر وهو “القَدْر المُشترك المعنوي” وليس في تمام المعنى وكذلك ليس في المصداق.
فلما يقول الله سبحانه وتعالى {بل يداه مبسوطتان} ويُقال “للإنسان يدان” أصل المعنى في هذه الجملة وهذه الجملة لم يتغير وإنما تغير تمام المعنى لأن المفهوم في قوله تعالى {بل يداه مبسوطتان} يُردّ إلى قوله {ليس كمثله شيء} فيُقال يوجد فرق في المعنى وإنما أصل المعنى مشترك مع المفهوم من جملة “للإنسان يدان”.
فبالرجوع إلى المثال الأول الذي ذكرتُه فعندما يقال “رأيت أسداً في الغابة” و “رأيت أسداً على المنبر” أصل المعنى لكلمة أسد هنا يشترك مع أصل المعنى لكلمة أسد هنا وتمام المعنى قد يختلف والمصداق طبعاً يختلف ، فلهذا الفرق -الفرق في تمام المعنى وفي المصداق- يُمكن أن يقال على قولنا “رأيت أسداً في الغابة” هذا حقيقة و “رأيت أسداً على المنبر” هذا مجاز أو كناية أو ظاهر سياقي أو ظاهر تركيبي يعني هذا مجرد اصطلاح للتعبير عن الاختلاف في تمام المعنى أو عن المصداق المقصود في هذه الجملة وهذه الجملة ، فالمصداق يختلف هنا ويختلف هنا وتمام المعنى يختلف هنا ويختلف هنا ، فالتعبير عن هذا الاختلاف هذا أمر اصطلاحي لا إشكال فيه ، ولكن المفهوم المتعارف عليه للمجاز من أنه صرف اللفظة عن معناها تماماً بحيث لا يوجد أصل مشترك قدر مشترك معنوي بين الكلمات في الجمل المختلفة فهذا لا يسلّم به ابن تيمية.
ولذلك لما نرجع إلى قوله تعالى {بل يداه مبسوطتان} وقول “للإنسان يدان” أصل المعنى لكلمة “يدان” في الآية وفي هذه الجملة لا يختلف وإنما اختلف تمام المعنى واختلف كذلك المصداق ، لذلك يمكن أن يقال في الآية هنا مجاز ولكن على سبيل اختلاف المصداق وتمام المعنى وليس أصل المعنى -الذي هو في اصطلاح ابن تيمية القدر المشترك المعنوي- فهذا القدر المشترك كما أنه مفهوم من لفظة “يدان في الآية الكريمة فهو كذلك مفهوم في الجملة الأخرى التي تقول “للإنسان يدان”.
طيب لماذا نقول أنه يوجد قدر مشترك معنوي وهذا أصل المعنى وليس تمام المعنى؟ لأن قول الله سبحانه وتعالى {بل يداه مبسوطتان} يُردّ إلى قوله تعالى {ليس كمثله شيء} فنحن نعلم أن لله يدان ولكن ليست كأيدي البشر ، أما في الجملة الأخرى فنقول “للإنسان يدان” نحن نعلم أيادي البشر ، فيوجد اختلاف في تمام المعنى ولكن أصل المعنى مشترك ، لذلك المتبادر إلى ذهن العربي في هذه الجملة قد يختلف قليلاً عن المتبادر إلى ذهن العربي في هذه الجملة وهذا ما يُدعى ب “الظاهر السياقي” سياق الجملة يغير في مقدار المعنى وتمام المعنى ودرجة ثبوت هذا المعنى لهذا المصداق.
الفرق بين عوارض الألفاظ وعوارض المعاني
لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ليس عنده مشكلة في أن يكون المجاز من عوارض الألفاظ وليس من عوارض المعاني.
يعني إيه عوارض الألفاظ؟ عوارض الألفاظ يعني نقول كلمة “أسد” في هذه الجملة وهذه الجملة ، هذه الجملة يُطلق عليها حقيقة وهذه الجملة يطلق عليها مجاز ليس لأن أصل المعنى اختلف وإنما لأن المصداق اختلف أو لأن تمام المعنى اختلف قليلاً.
فهذا مجرد اصطلاح وهذا معنى قولنا بأن “هذا من عوارض الألفاظ” يعني هذا مجرد اصطلاح وإنما أصل معنى الكلمة لم يختلف ، أما كون المجاز من عوارض المعاني فهذا لا يُسلم به ابن تيمية.
يعني إيه عوارض المعاني؟ عوارض المعاني يعني أن المعنى يتغير ، فكلمة “الأسد” في جملة تختلف تماماً عن كلمة “الأسد” في جملة أخرى ، أو كلمة “يدان” في جملة تختلف تماماً عن كلمة “يدان” في جملة أخرى يعني المعنى هنا يختلف عن المعنى هنا تماماً ، هذا معنى “المجاز من عوارض المعاني” وهذا لا يسلّم به ابن تيمية ، ولذلك نجد ابن تيمية تكلم واهتم بهذه المسألة كثيراً ، لماذا؟ لأن هذا يمنع ويسدّ الباب على المخالفين من الباطنية القرامطة وكل هذه الفِرَق الضالة لأنهم يحملون معاني كلمات القرآن الكريم والكلمات الواردة في النصوص الشرعية على معاني مختلفة تماماً ليست هي المعاني التي تتبادر إلى ذهن العربي عندما يقرأ القرآن الكريم وعندما يسمع الأحاديث النبوية الشريفة.
أول من استخدم المجاز
ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قال بأنّ لفظة المجاز وهذا المصطلح أول من استخدمه من المسلمين هم المعتزلة حتى يُسوّغ لهم ويكون لهم ذريعة في صرف
ألفاظ القرآن الكريم عن معانيها المتبادرة إلى ذهن العربي.
فهو يقول لا ، أولاً اللغة العربية قادرة على تحمّل معاني القرآن الكريم لأن الله سبحانه وتعالى ألهم هذه اللغة إلى نوع العرب حتى تكون قادرة على التعبير عن المعاني التي تكلم بها الله سبحانه وتعالى بحرف وصوت وهذه اللغة هيّأها الله سبحانه وتعالى لتحمل المعاني الواردة في القرآن الكريم على ظاهرها السياقي وظاهرها التركيبي ، وبذلك اللفظة عندما توضع في سياق معيّن في القرآن الكريم هذا السياق يحدّد معناها وهذا المعنى هو المتبادر إلى ذهن العربي فهيّأها الله سبحانه وتعالى لتحمل الرسالة المحفوظة وهي القرآن الكريم.
توسُّع المبتدعة في دعوى المجاز
ولذلك تجد المخالفين مثلاً يفسرون الاستواء بالاستيلاء ويفسرون هذه التفسيرات الباطنية التي تصرف اللفظ عن معناه المتبادر إلى الذهن بدعوى المجاز ، ولذلك قال المُعلّمي اليماني: (توسّعت المُبتدعة في دعوى المجاز ، فحرّفوا كثيراً من نصوص
الكتاب والسنّة وزعموا أنّ نصوصهما لا تفيد إلا الظن).
ولذلك تجد “الباجوري” في حاشيته على جوهرة التوحيد يتكلم مسألة هل الكلام يُطلق حقيقةً على الكلام النفسي أم الكلام بحرف وصوت ، فتجد أنّ دعوى المجاز تستخدمها هذه الفِرَق في صرف نصوص القرآن الكريم وصرف النصوص الشرعية بشكل عام عن ذهن المتبادر إلى ذهن العربي الأصيل.
الإشكال الآخر عند ابن تيمية في مسألة المجاز هو أنّ أصلاً المجاز لا يُعرف في كتب السلف ، يعني الشافعي رحمه الله هو أول من كتب في أصول الفقه ومع ذلك لم يستخدم لفظة المجاز ومصطلح المجاز مطلقاً ، لذلك حتى كون المجاز من عوارض الألفاظ وإن كان ابن تيمية في بعض المواضع يستخدم هذه اللفظة لأنه مجرد مصطلح عندو ولكن هو ينازع في المفهوم وتعريف المجاز لأن له مفهوم مختلف نوعاً ما عند ابن تيمية.
هو يقول وإن كان هو من عوارض الألفاظ ولكن حتى هذا الاصطلاح لا يُعرف في كتب السلف ولا يعرف في أقوال السلف ولا الصحابة ، لذلك هو كما قلنا يعارض تماماً كون المجاز من عوارض المعاني وأن المعنى يتغير كُلّيّاً ولا مشكلة عنده في كون المجاز من عوارض الألفاظ يعني هو مجرد اصطلاح للتعبير عن اختلاف ما بين الجمل المختلفة ولكن هو يقول في الحقيقة هذا المصطلح لم يستخدمه العرب ولم يستخدمه السلف ولم يستخدمه العلماء من القرون المُفضّلة.
الخلاف بين ابن تيمية وجمهور علماء السنة لفظي
وطبعاً جمهور العلماء على إثبات المجاز في النصوص الشرعية ، ولكن معظم علماء أهل السنة في الحقيقة هم يثبتون المجاز في النصوص الشرعية بمعنى هو يكاد يتطابق مع مفهوم المجاز عند ابن تيمية.
مثلاً يقول ابن قدامة: (والقرآن يشتمل على الحقيقة والمجاز: وهو اللفظ المستعمل في غير موضوعه الأصلي على وجهٍ يصحّ كقوله تعالى: {واخفض لهما جناح الذُّل} ، {واسأل القرية} ، {جداراً يريد أن ينقضّ}…وذلك كله مجاز لأنه استعمال اللفظ في غير موضوعه ومن منع ذلك فقد كابر ، ومن سلّم وقال لا أسمّيه مجازاً فهو نزاعٌ في عبارة لا فائدة من المشاحة فيه).
إذاً ابن قدامة يوافق ابن تيمية في مفهوم المجاز ، لماذا؟ لأنه يقول أولاً هو صرف اللفظ عن موضوعه على وجهٍ يصحّ وإن كان مثل هذا القول يقول به مثل الأشاعرة والمتكلمون ولكن هم لا يلتزمون بذلك لأنهم يصرفون الطلمة عن أصل معناها تماماً فيقولون بالاشتراك اللفظي ولا يقولون بالاشتراك الاسمي المعنوي ، لذلك قال ابن قدامة كما رأينا “ومن قال لا أسميه مجازاً فهو نزاع في العبارة” لأنه عندما يقال {واسأل القرية} القرية هنا معناها واحد لا يختلف عن معنى الكلمة في سياقات مختلفة أو جمل مختلفة ، ولكن في السياقات المختلفة يختلف المصداق فليس المفهوم من هذه الآية الكريمة أنك ستذهب مثلاً إلى البيوت نفسها والجدار والشوارع وتسألها وإنما تسأل أهل القرية.
بعض من وافقني في فهم موقف ابن تيمية
وهذا الفهم لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ليس فهماً خاصّاً بي وإنما تكلم في ذلك بعض الأساتذة مثل د.يوسف الغفيص في شرح التدمرية وشرح الحموية وكذلك د.سلطان العميري في أحد المقاطع على اليوتيوب تكلم في هذه المسألة.
الخلاصة
فالمقصود أنه لا يمكن أن يُقال أن ابن تيمية ينفي المجاز مطلقاً أو هو يثبت المجاز مطلقاً وإنما هو ينازع في مفهوم المجاز ثم يقول هذا المصطلح وإن كان لا إشكال فيه بهذا المعنى المعيّن هو لا يُعرف في كتب السلف ولا يعرف عن علماء السلف ولذلك بما أنه مجرد مصطلح لا إشكال في نفس المصطلح ولكن الإشكال في مفهوم هذا المصطلح ومصداق هذا المصطلح تجده هو وتلميذه ابن القيّم يستخدمون لفظة المجاز في مواضع ولكن على هذا المعنى الصحيح وليس على مفهوم المتكلمين.
أرجو أن تكون المسألة واضحة إن شاء الله لأنّ هذه المسألة دقيقة نوعاً ما ، وإن كان هناك أحد لديه بعض الاستشكالات إن شاء الله أجيبه.
هذا وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تم التفريغ بواسطة الأخ: عبد الرحمن عجان.
تحميل تفريغ المقطع: من هنا.