إن المطَّلع على التراث العقدي والكلامي عند أئمة المسلمين يَعْلم بما لا يدع مجالًا للشك أن شبهات الدهرية المعاصرة في غاية السطحية والضحالة بالنسبة إلى هذا التراث الضخم.
ومما تناوله هذا التراث مسألة حدوث العالم، وهل يتوقف العلم بالله تعالى عليها أم لا؟ وهل لا بد من حدوث العالم لا من مادة حتى يصح الاستدلال على الله تعالى؟ وما الدليل على حدوث العالم؟ وقبل ذلك ناقشوا مفهوم لفظة العالم، وهل مصداقها ينحصر في الأجسام فقط أم لا؟ وهل حدوث العالم بالذات فقط؟ أم بالذات والزمان؟
فنشب على إثر ذلك معارك فكرية ضخمة بين الأشاعرة والفلاسفة من القائلين بقدم العالم زمانًا وحدوثه ذاتًا، فجاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فحرر المذاهب المتناحرة وفندّها ونقد ما احتوته من مقدمات خاطئة، ثم حقق المذهب الحق اللازم لأهل السنة والحديث، وذكر خلاصة ذلك في رسالته النفيسة «مسألة حدوث العالم» والتي أشرحها بالتفصيل في هذا المؤلَّف.
ثم ذكرت مذهب السلف من القرون المفضلة الأولى في مسألة الوجود الإلهي، وبيّنت ما نُقِل عنهم من آثار في الاستدلال على وجود الله تعالى. كما أنني ناقشت بعض النظريات الفلسفية الشيعية في المسألة.
أيضًا، ناقشت في هذا المؤلف كثيرًا من شبهات الإلحاد المعاصر في المسألة، والحق أن كلامهم في المسألة في غاية الندرة من جهة الكم، وفي غاية الضحالة من جهة الكيف، فناقشت مذاهب الفلاسفة الروس، ثم المعاصرين أمثال ريتشارد دوكنز، ولورانس كراوس، ومايكل مارتن، وإسماعيل أدهم، وبيَّنت أوجه الخلل في كلام هؤلاء، وكيف أنهم لم يتصوّرا أي برهان من براهين المؤمنين بالله تعالى، وكيف أنهم على جهل مركب عجيب بالمباحث الإلهية والفلسفية والمنطقية. وأجبت في ثنايا تلك المباحث على أبرز الشبهات التي أوردها المعاصرون على دليل الحدوث والإمكان، وكذلك الشبهات المتعلقة بفرضيات العوالم المتعددة والإنفجار الكبير وغير ذلك.