هذا بحث مختصر في مصطلحي المكان والزمان في إطار العقيدة الإسلامية بين المتكلمين والفلاسفة وأهل السنة والجماعة، وبالتبعية لذلك فإن البحث يتناول مصطلح التسلسل الذي يعتمد على تصوُّره تصوُّر الزمان، وإن بدا لبعض طلبة العلم الشرعي هامشية المصطلحَين للوهلة الأولى، إلا أنهما في واقع الأمر يُمثلان محورًا جليلًا من محاور البحث العقدي، وقد اختلفت الفِرق في تصوُّر المكان والحيِّز والزمان إلى الدرجة التي أبرزت إشكالات وتحديات حقيقية سعى أهل السنة والجماعة من أهل الحديث إلى استيعابها واستخراج التقريرات المُثلى لها من الكتاب والسنة.
ومع أن الأمر ليس بالجليل عند السواد الأعظم من المسلمين، إلا أنه ليس كذلك قطعًا في المباحث العقدية؛ وذلك لأن لوازم فَهم مصطلحَي المكان والزمان تتباين بقدر جمٍّ، بل وتبعات ذلك الفهم قد يؤول إلى لوازم من أقوال واعتقادات تخالف صريح الكتاب والسنة؛ ولذلك فإن كثيرًا من الاعتقادات الشائعة عند عوام المسلمين عن المكان والزمان لازمها مخالفةُ الكتاب والسنة، ومع أنهم مفطورون على إثبات صفات الله من علو وغير ذلك، إلا أن انتشار مذهب متأخري الأشاعرة قد تسبب في شيوع عدد من الأفكار المغلوطة عند العوام.
وعلى كلٍّ؛ فهذه مباحث دقيقة يصعب استيعابها على كثير من العوام؛ ناهيك عن استخراج ما فيها من أخطاء منطقية وعقلية، وقد يكون المتبادر للذهن في مثل تلك المسائل هو ما يخالف الشرع؛ لقصور الذهن عن تصوُّر ما يطابق الواقع المُشاهد مجردًا عن ما لا يوجد إلا في الذهن، مع أنهم مفطورون على الحق؛ إلا أن شيوع المعتقدات المغلوطة من قِبل بعض الدعاة المعاصرين الذين انتهجوا المسلك الكلامي الأشعري، أو تأثروا به! -وكذلك العلمويين- قد ساعد في انتشار ذلك.
لذا فهي مباحث تحتاج إلى عقول فذَّة مفكِّرة متدبرة، وقد حضرَتْ تلك المباحثُ بكثرة -والحمد لله- عند أهل السنة، وألَّفوا فيها الشيء الكثير؛ لذلك قد أكثرت من النقل المستفيض عنهم.
وأهمية هذا البحث ترجع إلى نقد أهم الشبهات الكلامية الفلسفية التي اعتمدها المتكلمون والفلاسفة في نفي العلو والاستواء والصفات الفعلية الاختيارية الأزلية وغير ذلك من الصفات الواردة في الأخبار المتواترة من القرآن والسنة النبوية الشريفة، ولا ادعى أن هذا الطرح يحصر ويدحض كافة الشبهات العقلية لنافي الصفات، ولكنه يناقش أهم شبهاتهم في صفات معينة؛ لأن شبهات المتكلمين والفلاسفة في نفي الصفات مختلفة في الكم والكيف.
إن استيعاب المفاهيم المطروحة في الكتاب في رؤية الزمان والمكان تمكِّن طالب العلم من نقض أساس أهم الشبهات العقلية لنافي العلو والاستواء والرؤية والصفات الاختيارية الفعلية على وجه الخصوص؛ لذلك أزعم أن المطروح بالغ الأهمية للمشهد العقدي المعاصر؛ لأن في هذا المشهد قصورًا كبيرًا عن البحث في الشبهات العقلية للمتكلمين والفلاسفة، مما آل إلى استطالة بعضهم على أهل السنة والجماعة.
كما أن لهذا البحث أهمية بالغة في مشهد التصدي للإلحاد المعاصر؛ لأن جُلَّ مَن رأيتهم في هذا المشهد متأثرون أشد التأثر بمناهج المتكلمين في أمر الزمان والمكان وما يتعلق بهما من مباحث، وهذه المناهج فيها أخطاء وثغرات من الممكن للملاحدة الجدد استغلالها -إن عقلوها!-.
لشراء الكتاب:
– لمعرفة باقي الدول تواصل مع صفحة مركز تبصير على الفيسبوك: